الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الإعلامي المنصف بن مراد يحذّر من مخطط يرمي الى تدمير البلاد

نشر في  24 ماي 2017  (11:28)

بقلم الاعلامي والكاتب: المنصف بن مراد

أنا لست في صفّ الذين يعتبرون انّ هناك مؤامرات تحاك ضدّ الدولة التونسيّة لكن هناك مواقف وأفعال تؤكد انّ أطرافا عديدة تهندس لتفكيك الدولة التونسية وتدميرها، وكل الحكومات التي تعاقبت بعد تغيير النظام ساهمت بنسب متفاوتة في اركاعها..

سواء مع الحبيب بورقيبة أو مع زين العابدين بن علي ـ كانت تونس يحكمها نظام قويّ Centralisateur  ولم يكن أيّ حزب أو أيّة شخصيّة سياسيّة يجرؤان على الحديث عن انفصال بعض الولايات عن الدولة أو يشتمان الحكومات أو يثلبانها أو يدعوان الوزير الأول الى أن يغلق فمه! «سكّر فمّك»  Ferme ta gueule ..

لكن بعد 2011 شاهدنا أحزاب راشد الغنوشي ومنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر تحاول تفكيك الدولة العميقة باسم الانتخابات والديمقراطية فأصبح الشغل الشاغل للمجلس التأسيسي ولحكومات الترويكا، ارساء دولة عقائدية وفرض دستور «عقائدي» وتمّ اختراق أجهزة الدولة من قبل أحزاب الترويكا وخاصّة النهضة حتى يحكموا قبضتهم على كلّ مؤسّساتها سواء كانت سياسية أو اداريّة أو اقتصاديّة أو ديبلوماسيّة.. كما وقع انتداب ما يناهز 100.000 شخص على أساس ولائهم للترويكا، وهكذا عرفت بلادنا زحفا بل غزوا عقائديا، في حين كانت الدولة في عهد بورقيبة في خدمة تونس وكانت في عهد بن علي في خدمة العائلات المالكة والشعب أيضا..

لقد حاولت الترويكا التخلّص من «الدولة العميقة» التونسية لتعويضها بمنظومة حزبية أدّت الى إضعاف الدولة وانتشار الارهاب وتمركز كبار التجّار الفاسدين على الحدود وبروز ادارة تخدم ـ عامة ـ مصالح الحكّام وانتشار الرشوة والفساد في ظلّ حكومة حزبية همّها الأوحد هو التحكّم في مفاصل الدولة وتقديم تعويضات مجنونة لأنصارها والاندساس في الأمن والجيش والحرس والديوانة وتشجيع جمعيات تتهاطل عليها أموال طائلة من الخارج..

وحتى ان تغيّرت اختيارات النهضة بسبب انتخابات 2015 وضغط اتحاد الشغل وفوز النداء في الانتخابات التشريعية والرئاسيّة و«إملاءات» بعض الدول الغربية والاختيارات الاستراتيجية لراشد الغنوشي الذي لجم أفواه المتشدّدين العنيفين في حزبه، فانّ المسؤولية التاريخيّة للنهضة في اضعاف الدولة التونسية لاشكّ فيها..

أمّا المجموعة الثانية التي ما انفكّت تحاول تفتيت الدولة التونسية، فتتكوّن من أشخاص يتعاطون السياسة داخل مجلس الشعب أو خارجه وهم كلّهم قريبون جدا من الارهابيين والمتطرّفين، من ذلك انّ بعض المحامين ينوبونهم في القضايا الارهابية أو يتهجّمون على الحكومة بعبارات متخلّفة مثل «الباجي قايد السبسي رئيس المافيا»  أو «سكّر فمّك خير لك»، كما يخاطبون رئيس الحكومة بعبارات نابية حتى «تتحطّم» صورة المسؤول السياسي في البلاد وتعوّض سلطة الحكومة بسلطة الميليشيات ولجان «تدمير الثورة» وكل ذلك بمساعدة «منشطين» تلفزيين يبحثون عن «البوز»، (الفرقعة) وينشرون أفكار الظلامية والارهاب والتطرّف!

وقد اتّخذت هذه الطائفة من «السياسيين» من الدّفاع عن الحقوق «الاجتماعية» ومحاربة الفساد ركيزتين أساسيتين لتكتسب نوعا من الشعبية  التي تغري سائر الناس.. فمع الدفاع المستميت عن الحقوق الاقتصادية للولايات الحدودية والتنديد بالفساد، وهو ما تتعاطف معه أغلبيّة الشعب، هناك خطاب مدمر للدولة ومساند للجماعات العنيفة وحتى للارهابيين.

أما الفئة الثالثة فتتألف ممّن لايعترف بالجمهورية ولا بالدولة التونسية على غرار حزب التحرير الذي يتحدى كلّ القوانين والدستور، والحكومة مكتفية بالفرجة، علما انّ رفض هذه الجماعة للدولة يتقاطع مع استراتيجية الارهابيين الذين يريدون تعويض الدولة المدنية ـ بنقائصها ـ بدولة تيوقراطية عدوّة للعلم والثقافة والحريات والنمو والمساواة بين الرّجل والمرأة والوسطية والذاكرة..

انّ هدف الارهابيين هو القضاء على الدولة التونسية بالعنف والقتل والتدمير باستعمال  أموال طائلة من الدّاخل والخارج..

وهنا لابدّ من الإشارة إلى خطورة مواقف بعض اليساريين  الذين يدعون الى ثورة بروليتاريّة وهم غير قادرين على التعامل مع مسار التاريخ وعلى استيعاب ايديولوجية يسار جديد ومتجدّد.. فمع احترامي لأحلام جزء من اليسار فأنا غير موافق على السير في الاتجاه المعاكس لمجرى التاريخ.

أضف الى ذلك كبار الفاسدين الذين يرعون التجارة الموازية عبر الحدود والموانئ والمطارات وعدد منهم يتعاطون تجارة المخدرات.. انّ كل هذه المافيات تتحكم في 55 ٪ من الاقتصاد التونسي اي ما يناهز 60.000 مليار من مليماتنا وقد ثبت انّ كبار الفاسدين على صلة بالارهابيين ولهم حلفاء متشدّدون داخل البلاد وقد موّلوا ـ بقدر ما تيسّر لهم ـ كبار الأحزاب التونسية وأعانوها قبل الانتخابات وأثناءها وقدموا رشاوى هائلة لبعض السياسيين والاعلاميين وهم ماضون في تخريب الدولة لأنّهم بحاجة إلى إدارة تستجيب لطلباتهم وإلى أحزاب وديوانة وأمن لا تهدّد مصالحهم والى حكومة صورية وطيّعة تغضّ النظر عن جرائمهم الاقتصادية.. انّهم يشترون من يريدون وقد جعلوا من الحدود معبرا آمنا مسخّرا لمصالحهم!

أما الأحزاب السياسية ففي أغلبها لم تع حساسيّة المرحلة التاريخية ومطالب الشعب كقضاء مستقل تماما عن الأحزاب وإعلام حر لا يموله حزب أو أحد كبار الفاسدين أو دولة أجنبية وتنمية شاملة برقمين واهتمام بالولايات المقصاة من النمو والحرب ضد الارهاب والتهاب الأسعار وازدهار ثقافي ونظام تربوي وصحي ممتاز وإدماج الشّباب في مراكز التصوّر والقرار وعدالة جبائيّة تفرض على المتهرّبين ودفاع عن حقوق المرأة.. كل هذا لم يهتم به ايّ حزب اضافة الى انفلات اجتماعي ومطلبية لا تتماشى مع امكانات البلاد والدولة..

..وفي هذا السياق، كيف يفسّر مجلس الشعب الذي صوّت لفائدة قانون يمنع نشر الصفقات التي تخصّ الطاقة في الرائد الرسمي خلافا لكلّ القوانين الأخرى (صوت لفائدة هذا القرار خاصّة حزبا النداء والنهضة!)

وما دمنا نتحدّث عن الأحزاب ومسؤوليتها لابدّ من الإشارة الی مآسي نداء تونس التي يتحمّل حافظ قايد السبسي جزءا كبيرا من المسؤولية فيها، والى ما ينعم به من حماية من قبل أبيه الرئيس في إضعاف أهمّ حزب وانقسامه حتى بات حزبا ديكورا بلا قياديين ممتازين ولا برنامج، والثابت انّ هذه المجموعة ستسبّب كوارث سياسية حاضرا ومستقبلا لأنّ هدفها الوحيد هو «بقاء» حافظ قايد السبسي والامتثال لرئيس الجمهورية الذي بات في قطيعة تامّة مع الشواغل الحقيقية للشعب التونسي، ولا أحد يجهل دور الابن في تعيين حكومة ضعيفة لا يمكن ان تتخذ أيّ قرار هام إلاّ بموافقة  قرطاج و«مونبليزير» وربما المؤسّسات النقدية العالمية وحتى السفارات (شاهدت صورة تمثل والي تونس وهو رجل محترم يرافقه سفير فرنسا وعلى بعد أمتار ـ من الخلف ـ يسير على خطاهما وزير!؟)

انّي لا أكنّ أيّ عداء لحافظ وأتمنّى له النجاح والصحة وانصحه ببعث مشروع اقتصادي مربح كمعمل ألبان وياغرت عوض تعيين الوزراء والولاة والمعتمدين والرؤساء المديرين العامين لتحديد موقف الحزب في مجلس الشعب! انّ أغلب اختيارات نداء تونس وتعيينها «فاشلين» في مناصب هامّة بمن في ذلك الوزراء يساهم في تدمير الدولة وتقهقرها علما انّ الأحزاب المدنية أو المشاركة في التحالف الحكومي تفتقر للشعبيّة وغير واعية بالتحديات!

انّ اخشى ما أخشاه، هو ان تصبح لنا شبه دولة تحكمها الأحزاب والميليشيات وبارونات التهريب. وممّا قد يجعل تشاؤمي في محلّه، بعض  العمليات التي تمسّ الدولة كالهجومات على مراكز الأمن ومحاولة ارساء إمارات متشدّدة ومحاولة الاستحواذ على جزء من ثرواتنا النفطية!

فهل يمكن أن نعرف لماذا وقع حرق منطقة الحرس ومنطقة الأمن في تطاوين؟ هل هذه مظاهرات سلميّة؟ لقد شاهدت متظاهرين يقتحمون حقل بترول ويركلون الأمنيين. فمن أمّن الخيام والطعام لمئات المحتجّين؟ ومن كان وراء جرح عشرات الأمنيين ومحاولة حرق البعض منهم؟ ولماذا دهس مواطن تونسي حدّ الموت؟ انّ ما يحدث في بعض المدن التونسية من احتجاحات شرعية وسلمية وظّفه متطرّفو هذه البلاد للزجّ بها في دوامة مجهولة العواقب.. فمن ينقذ شعبنا من الهاوية؟

انّ تونس بحاجة الى برنامج لفائدة الولايات المنسية يكون ثمرة مجهودات وتصوّرات نساء ورجال هذه الولايات، وبحاجة الى حكومة قوية وعادلة واعلام حرّ وعدالة اجتماعيّة وفرض الانضباط والعمل الجادّ والدّفاع عن كل الحريات، وفي غياب ذلك فانّ تونس مهدّدة بموت سريري...